فضائل مكة المكرمة | الشيخ أبي عبدالله الشرفي



فضائل مكة المكرمة


للشيخ الفاضل /أبي عبدالله صالح بن عمر الشرفي حفظه الله ورعاه  وسدد على الحق خطاه  إمام وخطيب مسجد جامع عمر - بالمكلا


الأستماع



الوصية بتقوى الله سبحانه فإنها أفضل مكتسب وأعلى نسب (... وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَىٰ ۚ وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ) هاهمُ حجاج بيت الله الحرام يتوافدون إلى مكة المكرمة من كل فج عميق يتوافدون إلى البلد الأمين يتوافدون إلى البلدة الحرام يتوافدون إلى البيت العتيق يتوافدون إلى أم القرى يتوافدون إلى هذه البلدة التي شرفها الله عزوجل وخصها الله بفضائل ومناقب وخصائص لم تنلها بلدة أخرى.

 مكة المكرمة قبلة المسلمين التي يتوجهون إليها من الشرق والغرب (قَدْ نَرَىٰ تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ ۖ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا ۚ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ۚ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ ۗ...) مكة المكرمة التي جعل الله عزوجل فيها أول بيت وضع للناس في الأرض (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ * فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ ۖ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا ۗ وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا ۚ...) 

والذي رفع قواعده إبراهيم وإسماعيل عليهما وعلى نبينا أفضل الصلاة وأزكى التسليم مكة المكرمة مسقط رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم والموطن الذي بُعث منه النبي صلى الله عليه وسلم والموطن الذي اختاره الله لشمس الرسالة ونور الهدى فيها ظهر الحق الذي انتشر ضؤوه ليبدد دياجير وظلم الكفر والإلحاد

 الذي كان عليه أهل الجاهلية الجهلاء من تلكم الأعمال النكراء الشنعاء يعبدون غير الله ويتوسلون بغير الأعمال الصالحة (... مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَىٰ...) مكة المكرمة التي حرم الله عزوجل دخولها على المشركين فلا يجوز لمشرك أن يدخلها (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَٰذَا ۚ...)

مكة المكرمة مسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة إلى بيت المقدس ( سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)

مكة المكرمة محط أنظار المسلمين لما خصها الله عزوجل من المحاسن والفضائل والمناقب هذه البلدة المباركة التي جعل الله فيها بيته الحرام وجعل فيها المسجد الحرام الذي لا تشد الرحال إلا إليه وإلى المسجد النبوي وإلى المسجد الأقصى هذا المسجد المبارك 

الذي قال صلى الله عليه وسلم فيه كما في حديث جابر عند الإمام أحمد وابن ماجة في سننه (وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة ألف صلاة فيما سواه) مكة المكرمة التي جعلها الله عزوجل حرماً آمناً في بلد الأمن والأمان والسكينة والإطمئنان تأمن فيها الحيوانات والكائنات والنباتات بلد حرمه الله منذ خلق السموات والأرض فهي محرمة بحرمة الله إلى يوم القيامة

 فإن ترخص فيها أحدٌ فقولوا له إن الله أحلها لنبيه ساعة ولم يحلها لأحد غيره فلا يُعضد (يُقطع) شوكها ولا يُنفّر صيدها ولا يراق فيها دمٌ مكة المكرمة بلدة مباركة أمّنها الله عزوجل وحرسها من دخول الدجال ذلكم الكافر الأعور الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم (ما من نبي إلا وأنذر قومه الدجال)

 فكان يحدث أصحابه بخطورة فتنته حتى ظن الصحابة أنه سيخرج عليهم من أحراش المدينة جاء في صحيح الإمام البخاري من حديث أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( ما من بلد إلا وسيطأه الدجال إلا مكة والمدينة حرسهما الله عزوجل من شر وخطورة فتنة الدجال) مكة المكرمة بلادٌ فيها مقام إبراهيم وفيها الحجر الأسود قال عليه الصلاة والسلام كما عند الحاكم من حديث أنس (الحجر الأسود والمقام ياقوتتان من يواقيت الجنة) 

 الحجر الأسود الذي نزل من الجنة أبيض من الثلج وفي رواية أبيض من اللبن فسودته خطايا ابني آدم الذنوب تؤثر حتى في الأحجار الصم هذا الحجر الأسود الذي يبعثه الله عزوجل يوم القيامة وله عينان يبصر بهما ولسان ينطق بها يشهد لكل من قبله واستلمه بحق إنها مكة المكرمة التي فيها عين زمزم كرامة الله عزوجل لإسماعيل وأمنا هاجر فجعلها الله عزوجل عيناً معينا إلى قيام الساعة آية من آيات الله تبارك وتعالى هذه البلدة الحرام الذي من دخلها كان آمنا

(أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ ۚ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ) وقال تعالى (... أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَىٰ إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِنْ لَدُنَّا وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ) هذه البلاد المباركة بلاد التوحيد وبلاد السنة لها المقام الأسنى ولها القدح المُعلّى

 كما يُقال وإنها أحب البلاد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إنها بلد الله وبلد رسوله وبلد المهاجرين الكرام أسود الإسلام الذين خرجوا منها مكرهين تركوا أموالهم وتركوا بيوتهم وتركوا نسائهم من أجل الله تبارك وتعالى خرجوا مع رسول الله وبذلوا الأرواح والمُهج كيف لا يخلد الله ذكرها وهي أحب البلاد إلى الله

 جاء من حديث عبدالله بن عدي بن الحمراء الزهري عند الإمام الترمذي في الجامع أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في مكة (إنكِ لخير الأرض وأحب أرض الله إلى الله ولولا أنني أُخرجت منكِ ما خرجتُ)

أُخرج النبي عليه الصلاة والسلام وأوذيَ فيها وامتحن هو وأصحابه فجماعة ذهبوا إلى الحبشة عند النجاشي وجماعة ذهبوا وتخطوا الصحاري والقفار تركوا بطحاء مكة وذهبوا إلى المدينة من أجل الله خاطر النبي صلى الله عليه وسلم بروحه ونفسه وخاطر الصحابة بأنفسهم يفعلون ذلك من أجل الله وفي ذات الله إنها مكة الذكريات إذا ذكرنا مكة فإننا نذكر تلك المشاعر المقدسة نذكر الطواف بالبيت والسعي بين الصفاء والمروة

 تلكم البلاد لايريدها أحد بسوء إلا خذله الله وهذه البلاد مستهدفة من الروافض قبحهم الله سبابة صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم احذروا أيها المسلمون أن تكونوا من مفاتيح الشر ومعاول الهدم لبلاد الحرمين الشريفين سلمها الله ورفع قدرها ونصرها على أعدائها لمصلحة من حين يهتز الأمن في الحرمين؟

 إنه يصب في مصلحة أعداء الله عزوجل هذه البلاد المباركة التي جعلها الله محلاً لركن من أركان الإسلام وهو حج بيت الله الحرام وهاهم الناس ملايين يتحركون من أصقاع المعمورة يلبون منادِ الله (وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ)

هؤلاء المحرمون والحجاج الذين ربما باع أحدهم مايملك من أجل أن يحج ويسقط عن نفسه فريضة الإسلام يترك زوجته وأمه ووالده وبيته يصعد ويهبط في الجبال والأودية والشعاب رجاء مغفرة الله تبارك وتعالى 

وهاهي مواسم الخيرات والبركات تتوالى علينا من فضل الله وتوفيقه وكرمه وإحسانه فهانحن نستقبل أيام العشر من ذي الحجة هذه الأيام المباركة التي أقسم الله بليالهن عند جماهير أهل العلم ( وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ) هذه الأيام المباركة التي يتضاعف فيها العمل الصالح إذا أخلص فيه العبد وحقق المتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم 

 وهي خير أيام الدنيا جاء من حديث ابن عباس رضي الله عنهما عند البخاري في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من أيام العشرقال الصحابة ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال عليه الصلاة والسلام : ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل خرج بنفسه وبماله فلم يرجع من ذلكم بشي) 

فهلموا أيها المسلمون وجددوا التوبة والأوبة والرجوع إلى الله فمن أساء فليحسن ومن أذنب فليتب إلى الله خصوصاً في هذه الأيام الفاضلة فأكثروا فيها من النوافل وحافظوا فيها على الفرائضهذه الأيام إنما خُصت بهذا الخير العظيم من رب العالمين كما يقول الحافظ ابن حجر العسقلاني رحمه الله (لاجتماع أمهات العبادات من صلاة وصيام وصدقة وحج) 

وفيها يوم عرفة الذي قال النبي صلى الله عليه وسلم كما عند مسلم( إني أحتسب على الله في صيام يوم عرفة أن يكفر به ذنوب سنتين)في هذه العشر علينا أن نكثر من تلاوة القرآن ومن الاستغفار ومن التسبيح والتهليل والتحميد والتكبير والصلاة على النبي المختار صلى الله عليه وسلم

 علينا أن نحسن إلى الفقراء وإلى المساكين وإلى الأرامل وإلى المحتاجين وعلى التجار أن يحسنوا إلى إخوانهم يذهبوا إلى المشافي ليروا حالة المرضى والمساكين والفقراء الذين لا يجدون قيمة العلاج خير من تصرف إليه هذه الأموال لهؤلاء المحتاجين كم من إنسان مات وهو لايملك قيمة العملية فعلينا أن نحسن إلى المساكين وإلى الأرامل

 يقول عليه الصلاة والسلام (الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله) وعلينا أن نكثر من ذكر الله عزوجل كما قال سبحانه وتعالى (لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ ۖ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ) 

 وعلى الإنسان أن يتحرى في إضحيته وعليه أن يضحي وهذ أمر مستحب عند جماهير الفقهاء من الشافعية والحنابلة والمالكية أن الأضحية سنة ولابد أن تتوفر فيها شروطها أن تبلغ السن المعتبر شرعاً وهو ماكان جذعاً من الضأن وهو الذي له سنة وما كان ثنياً من المعز وهو ماله سنتان على قول جماهير أهل العلم 

 ومن البقر ما كان له سنتان ومن الأبل ما كان له خمس سنوات وتجزئ الشاة عن الرجل وعن أهل بيته ويجوز للسبعة أن يشتركوا في الأبل وفي البقر وعليه كذلك أن تكون أضحيته سالمة من العيوب المخلة التي تنقص من قيمتها أو من لحمها فقد قال عليه الصلاة والسلام (أربع لا يجزين في الأضاحي العوراء البين عورها والمريضة البين مرضها والعرجاء البين عرجها والهزيلة التي لا تنقِ) 

ويُقاس عليها من العيوب ما هو أكثر وأعظم قبحاً من هذه العيوب وكذلك لابد أن تكون الأضحية في وقتها بعد صلاة العيد لقوله عليه الصلاة والسلام (من ذبح قبل الصلاة فإنما يقدم لحم لأهله ومن ذبح بعد الصلاة فقد أصاب سنة المسلمين) ولا بد أن تكون الأضحية من بهيمة الأنعام كما هو مقرر عند الفقهاء

 وكذلك مماينبغي للإنسان المضحي إذا دخلت العشر الأوائل من ذي الحجة فلا يأخذ شيئاً من شعره ولا من أظفاره ولا من بشرته كما جاء عند مسلم من حديث أم سلمة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (إذا دخلت العشر من ذي الحجة وأراد أحدكم أن يضحي فلا يأخذن شيئاً من شعره ولا من أظفاره ولا من بشرته)

نسأل الله جل وعلا بأسمائه الحسنى وصفاته العلُى أن يوفقنا وإياكم لكل مايحبه ويرضاه